سعيد ينزف في دحل أم قراضي

 

 

 

 

في أحد الرحلات الاستكشافية لفريق استكشاف  الكهوف  والتي يقوم بها في الصحراء المترامية الأطراف  بتاريخ 25 فبراير 2003 ، وعلى بعد حوالي 150كيلومتر شمال شرق المدينة المنورة في حرة خيبر ، حيث الغرض من هذه الرحلة هو استكشاف الكهوف في حرة خيبر والتي تسمى ا ( الدحول ) ، وهي عبارة عن أنابيب طولية تحت سطح الأرض، تكونت بفعل خروج  الصهارة(حمم) من فوهة البركان  و انسيابها على سطح الأرض، وتسير على شكل انهار من الحمم  إلى المنحدرات والمناطق المنخفضة نسبيا، و تدفع هذه الحمم بعضها البعض، متزاحمة بسبب قلة لزوجتها، وخروج كميات هائلة من الصهارة من خلال الفوهات البركانية والشقوق ، وسرعة اندفاعها في جميع الاتجاهات ، وتتصادم مع بعضها البعض ، وتتلاحم وتكون قبب وأقواس(أنابيب) طولية تمتد أحيانا إلى الكيلو مترات ،  وتأخذ هذه الأنابيب أشكال الأنفاق تحت سطحية، و تكون في الغالب متعامدة على اتجاه اندفاع الحمم.

هذه الكهوف أو الدحول المكونة بفعل البراكين يعتبرها العلماء بأن لها أهمية من الناحية الجيولوجية، والتاريخية والسياحية، و علماء الآثار أيضا يبدون اهتمامهم بها لوجود العديد من بقايا آثار وأدوات ورسومات قديمة تم اكتشافها ودراستها داخل مثل هذه الكهوف . 

 

 

 

 

 

التوجه إلى حرة خيبر

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الطريق إلى الحرة

 

 

كان أول توجهنا في هذه الرحلة إلى أحد هذه الكهوف أو كما تسمى ( دحول )  ( دحل أم قراضي ) ، حيث قطعنا مسافات طويلة فوق صخور الحرة السوداء التي يصعب القيادة عليها بسبب شدة وعورتها وخطورة القيادة بها، والحذر الشديد أثناء القيادة، بسبب صخورها الحادة والتي تتسبب عادة باهتراء الإطارات وتقطيعها،  وفي تمام الساعة الثامنة والنصف مساءا، وصلنا إلى ( دحل أم قراضي )  والذي يحتوي على مدخل صغير ، ومن داخله تظهر فتحات كبيرة في أسقفه والتي هي عبارة عن فوهات ضخمة على سطح

 

 

 

 

 

كهف أم قراضي من الداخل

 

الأرض تشكل خطورة على من يقترب منها من سيارات أو أغنام. كانت درجة الحرارة لا تتجاوز العشر درجات مئوية وشدة الرياح كذلك أرغمتنا على النزول إلى داخل الكهف والمبيت فيه استعدادا لاستكشافه في اليوم التالي ،ولم يمض من الوقت إلا القليل حتى كان الجميع يجلسون داخل الكهف ، ويتبادلون أطراف الأحاديث استعدادا لأخذ قسط من الراحة والنوم في دفء هذا الكهف .

وفي صباح اليوم التالي وبعد تناول وجبة الإفطار وعندما صعد زميلنا الجيولوجي / سعيد عبد الرحمن العامودي إلى خارج الكهف ليجلب بعض المعدات الخاصة بالفريق من صندوق المعدات الموجود على سطح السيارة الجيب.

مدخل كهف أم قراضي

 

وبسبب الرياح الشديدة في تلك المنطقة وأثناء وقوفه على سطح الجيب، فقد تعثر وسقط على  صخور مدببة  من ذلك الارتفاع إلى منطقة منحدرة (حوالي  3أمتار) والتي تؤدي إلى مدخل الكهف، وكانت نتيجة سقوطه  المفاجئ على تلك الصخور هو إصابات بليغة في مقدمة الرأس والأنف وأسفل العين اليسرى، وجرح بليغ في ساقه اليمنى والتي  آدت جميعها إلى حدوث نزيف شديد، إذا،  سعيد الآن في حالة خطيرة يرتمي على تلك الصخور لا حول له ولا قوة ،أسرعت إلى حقيبتي و أحضرت بعض الأدوية وكان بينها بخاخ مسكن الآلام الخاص بحالات ألام الأسنان و بعض اللفافات ،وبدأ جون في الناحية الأخرى بتجميع بعض الأوراق لعمل جبيرة مؤقتة لرجل سعيد والتي كانت تؤلمه بشدة .  أي أننا وبواسطة الأدوات البسيطة التي نستخدمها في حالات الجروح والكدمات ، فقد تم عمل الإسعافات الأولية  له لإيقاف النزيف  حيث تلقينا بعض التدريبات  المبدئية في الإسعافات الأولية في دولة لبنان الشقيق (الصليب الأحمر)  للتصرف في مثل هذه الحالات و التي نواجهها في بعض الأحيان  وخاصة  لتواجدنا  دائما في أماكن بعيدة ونائية .

اجتهدنا بحمل المصاب من فوق الصخور الحادة ووضعناه على غطاء وقمنا بتغطيته بعدة أغطية لحمايته من البرودة حيث كان جسمه وجميع أطرافه ترتجف وتصطك أسنانه بشدة .

 

 

السيارة الجيب وسقوط سعيد من فوق سطحها على الصخور المدببة 

 

 

الزميل/ سعيد العامودي

 

 في نفس ذلك الوقت كان الزميل الجيوفيزيائي / جمال شوالي دليلنا في تلك الرحلة  يقوم  بالاتصال على إدارة الدفاع المدني في المدينة المنورة بجهاز التلفون اللاقط عبر الأقمار الصناعية ،حيث تم إرسال طائرة إنقاذ(عاموديه)  بعد حوالي ساعة واحدة فقط من الاتصال بهم وتزويدهم بإحداثيات موقعنا، وعندما ظهرت الطائرة في السماء من بعد، يسبقها صوتها، وعندها شعرنا بارتياح بالغ وحمدنا الله كل على حده حين هبطت الطائرة ونزل منها فريق الإنقاذ التابع لادارة الدفاع المدني يتسارعون لإسعافه  وهم مجهزون بكامل التجهيزات والمعدات، وتراهم ينحنون على / سعيد يطمئنونه عن حالته و بأنه بخير وعلى ما يرام، وسوف ينقلوه فورا إلى المستشفى ، وما هي إلى لحظات حتى كنا  نسرع الخطى لنقله إلى الطائرة العمودية متجهين إلى المدينة المنورة. وكان باقي أعضاء الفريق ينظرون إلى الطائرة وهي تقلع بنا يدعون الله بالشفاء العاجل له وأن لا تكون أصابته خطيرة.  وفي خلال عشرون دقيقة هبطت بنا الطائرة في المدرج المخصص لها في  مستشفى الملك  فهد التخصصي بالمدينة المنورة ، حيث تم الاهتمام الشديد بحالته وتم إجراء العديد من الفحوصات وعمل أشعة له  والعناية الكاملة به، والتي أظهرت عدم حدوث أي كسور داخلية، ولكن كان لا بد إجراء عدد من الغرز الطبية التجميلية في الوجه والأنف والساق ، والله الحافظ.

 

 

                                                                          جيولوجي :  محمود أحمد الشنطي

وصول طائرة الإنقاذ إلى الموقع

 

 

 

هبوط الطائرة ويظهر هنا المصاب بعد تلقيه الإسعافات الأولية  وتدفئته من البرد الشديد

 

 

 

 

 

 

 

 

سرعة عملية الإخلاء الطبي

 

 

تجهيز حمل المصاب إلى الطائرة